الثلاثاء، 27 يونيو 2017

غموض اليقطين والذرة


كان العالم قبل عام ١٤٩٢ مقسوما إلى جزئين منفصليْن منقطعيْن تماما عن بعضهما البعض، عالم قديم يضم آسيا وأفريقيا وأوروبا، وعالم جديد يضم أمريكا الشمالية والجنوبية (وأستراليا لاحقا). لا شك أن تصنيف الأقدمية يعطي النسبية والأسبقية دون أي حق لأسلافنا سكان العالم القديم، وذلك لأن عالمنا يعتبر هو "الجديد" بالنسبة لسكان أمريكا الأصليين، والذي كان وصول كولومبوس إليهم أشبه بهبوط كائنات فضائية علينا اليوم: أشكال جديدة، تكنولوجيا متطورة، أدوات غريبة، طعام مختلف، ودواب لم يُشهد لها مثيل. لم يرَ سكان أمريكا في حياتهم أي حصان أو خروف أو بقرة أو ماعز أو دجاجة، ولم يعرفوا التفاح أو البرتقال أو الموز أو الخيار أو القهوة أو الزنجبيل أو الرمان وعدد آخر من النباتات إلى أن جاءت إليهم من عندنا. أما الزوار من عالمنا، وفي رواية أخرى "الغزاة"، فقد رأوا لأول مرة حبوبا صفراء سميناها الذرة، وفاكهة حمراء أطلقنا عليها الطماطم، وثمرة تنمو تحت الأرض ناديناها البطاطس، ونبتة شبه كروية برتقالية اللون اشتُهرت باليقطين. تضم أيضا قائمة النباتات التي لم يعرفها أسلافنا قبل عام ١٤٩٢: الفلفل الحار والفول السوداني والأناناس والكاكاو والفانيلا والأفوكادو وغيرها.
بمراجعة المعلومات السابقة نستنج أنه قبل عام ١٤٩٢ كانت إيطاليا بلا طماطم، والهند بلا فلفل حار١، والبرازيل بلا قهوة، وإيرلندا بلا بطاطس، وسويسرا بلا شوكولاتة. هذه الحقائق تبدو غريبة علينا اليوم، كما أنها تثير تساؤلات عديدة، فاليقطين مثلاً مذكور بالقرآن الكريم وشراب الذُرة مدوّن بالكتب العربية القديمة، فهل لهما معان أخرى أم هي أخطاء فادحة من المؤرخين؟
إن التغير الدلالي جزء من اللغة، وهو علم بحد ذاته، والمقصود به تغيّر دلالة المصطلحات في وصف الأشياء مع مرور الزمن. فالسيارة التي مرت على بئر يوسف -عليه السلام- ليست مثل السيارة التي نقودها اليوم، والكواكب التي رآها في منامه ليست الزهرة والمريخ إنما هي النجوم بشكل عام، والحديد الذي جعله الله تعالى ليّنا بيد داود -عليه السلام- ليس عنصر الحديد الذي فصلته الكيمياء (الأمر شبيه بالفرق بين الهواء والأكسجين). هذا التطور في اللغة ينطبق أيضا على معاني اليقطين والذرة. يذكر الدكتور سالم الخماش وهو أستاذ في فقه اللغة والدلالة في جامعة الملك عبد العزيز أن اليقطين بالمعنى القديم هو "كل شجر ينبسط على الأرض كالقثاء والخيار والبطيخ" وهذا يختلف عن تخصيص النبتة البرتقالية المعروفة٢. أما شراب الذرة٣  فقد وصفته الكتب الإسلامية بأنه شراب مسكر من الحبشة، ونجد أن ذلك يتطابق تماماً مع الذرة البيضاء، وهي حبوب ما زالت تستخدم في أفريقيا إلى اليوم لصنع البيرة، وتختلف كلياً عن الذرة الصفراء بمفهومها السائد.

١ يختلف الفلفل الحار (Chili Peppers) عن الفلفل الأسود والذي كان موجودا في العالم القديم.
٢ علمياً اليوم يختلف الدباء (
Gourd) عن اليقطين (Pumpkin).
٣ يسمى السكركة أو الغبيراء.





هناك تعليق واحد:

  1. تفرّد المعلومات وبنيتها في مقالتك شئ مميز ورائع ،وفقك الله دائماً .

    ردحذف