رغم
تطور مفهوم "القارئ" خلال مئات السنوات من إنسان "يستطيع القراءة"
إلى "كثير القراءة"، إلا أن تعريف "الكتاب" ظل ثابتا كما هو
عليه مع مرور الزمن: ورق مصفوف يحيطه غلاف يحمل عنوانا.
كان
الكتاب قديما يمثّل ثمرة جهود الكاتب في حياته، تجده مثابرا دؤوبا في كل كلمة
يضيفها لأنه يعي أن تأليف الكتاب أمر عظيم، وأن مؤلفاته ستظل شاهدة عليه حتى بعد
مماته. لذا نجد الكتب القديمة غريزة المحتوى وعميقة الأفكار لا يتصفحها إلا القارئ
النهم. كان القارئ في ذاك الزمن يستحق "هالة المثقف" التي تحيط به وبجدارة.
أما
اليوم، فقد أصبح تأليف الكتب أمرا يسيرا للجميع، لا يحتاج إلا لنثر بعض الكلمات
على ورق، وجمعها في غلاف مطرز، دون مبالاة أحيانا لقيمة المحتوى أو اعتبارٍ لكون
الكتاب انعكاسا خالدا لفكر صاحبه.
تأمل
بهذه القصة:
"طبع أحمد تغريداته، وجمع الأوراق مع بعضها، ثم أضاف لها
غلافا.
حسب التعريف السائد للكتاب، فإن أحمد أصبح الآن يؤلف كتبا.
اشترى ناصر كتاب أحمد، وقرأه كاملا. صار ناصر الآن شخصا يقرأ
الكتب.
يعتبر المجتمع أحمد كاتبا وناصر قارئا.
فعليا، قرأ ناصر تغريدات أحمد، هذا معناه أننا جميعنا -كمتصفحين
لشبكات التواصل الاجتماعي- قرّاء، وكتّاب!"
المشكلة
هنا ليست بأن "أحمد" صدق أنه مؤلف حقيقي وأن الانتقادات ما هي إلا
"قذف للشجرة المثمرة". المشكلة أن "ناصر" صدق أنه قارئ
بالمفهوم المعاصر، ولا يلام على ذلك فهو يقلب بيديه صفحات الكتب.
هذا
هو الوهم الذي تصنعه معارض الكتاب (التي أصبحت من محافل ثقافية إلى ملتقيات تجارية)،
حيث يتهيأ لقارئ تلك المؤلفات الربحية أنه غارق في عالم الثقافة، بل ويتباهى
أحيانا برصيده من تلك الكتب الهشة.
لا
شك أن للقارئ مكانة راقية في المجتمع نظرا لأناقته الفكرية والثقافية. تلك النظرة
القيّمة تجعل من المغتربين عن عالم القراءة في سعي دائم لدخوله، ويشكّل معرض
الكتاب إما فرصة أو فخّا لذلك.
وصحيح
أن كل ما تحتويه تلك المعارض عبارة عن كتب، لكن ليس كل كتاب جدير بهذا المسمى،
وأعني بكتاب هنا ذلك المحتوى الفكري الذي يجعل منك إنسانا مختلفا وواعيا. كتب "الفضفضة"
والبوح والاستشفاء لا تطور الفكر. الكتاب الذي يشتريه القارئ ليتفق مع مؤلفه أو ليقول
عنه "يفهمني" أو "عبر عن خاطري" لن يزيد من ثقافة القارئ شيئا
ولا يجعله مختلفا أبدا عن أي متصفح لشبكات التواصل الاجتماعي.
ختاما،
تقدّر "غوغل" أن عدد الكتب حول العالم هو ١٣٠ مليون كتابا، هذا يعني
أننا لن نستطيع قراءة حتى ٠,١٪ منها، ولا منفذ لنا من اختيار الكتب القليلة التي
سنقرؤها في حياتنا. عندما تزور معرض الكتاب في المرة القادمة، قدر من عندك المجهود
الذي وضعه المؤلف في كتابه، اتعب كثيرا في اختيار الكتب، فعمرك أقصر من أن تعطي
قيمة لإنسان فارغ يبيع ثرثرته على ورق.
مايستحق عناء البحث بين ملايين الكتب هي تلك القفزة المعرفية والإدراكية التي يمنحك اياها الكتاب الحقيقي، وكذلك مقال مثل هذا يستحق الوقت للقراءة لأنه يمنح ذات القفزة .
ردحذفمدونتك بطلة 👍
ردحذفالقراءة وخاصة قراءة الروايات والشعر من الأنشطة التي لابد أن تعكس سلوكاً،بالطبع ليس كل ما يكتب وينشر أدباً، تحياتي
ردحذفقصر العمر قياسا لكثرة المادة المتاحة للقراءة يحتم أن نكون انتقائية لأبعد حد.. الخيبة الكبرى أن نموت ونحن لم نقرأ الروائع العالمية !
ردحذففعلاً ظاهرة محزنة، خاصة إذا صحب المحتوى الضعيف بلغة ركيكة!
ردحذفكم هو رائع اسلوبك في التعبير تتحدث وكأنك تعرف مابداخلنا.
ردحذفWhat a great topic ! I know it has been 2 years since the topic has been published , but it still impacting our society , and what our society think about the books and the authors is really shallow . Keep up the good work !
ردحذفSincerely your student abdullaziz Alshammar